إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
الحكمة (6): أن الإنسان إذا أخطأ في شيء خطأ يعذر فيه لم يكن على حدّ ما لو أصاب، لأن الحياة مبنية على سنن وقواعد، فليس المهتدي إليها الجاري عليها كالجاهل المهمل لها، فالخطأ في سنن الحكمة كالخطأ في سائر حقائق هذه الحياة التي تحرر في أنواع العلم من السنن النفسية الفردية والاجتماعية، والأمراض وأسبابها وعلاجاتها، وخصائص العناصر والمعادن وغيرها، فإن من أخطأ في شيء من ذلك ولو بحسن نية لم ينتفع بما فعله كما ينتفع المصيب، بل قد يترتب عليه من المفاسد على حدّ ما يترتب على فعل المتعمد.
ولكن قد يختلف الأمر في سنن الحكمة من جهة أن ما يستوجبه الإنسان من اللوم والعتاب والجزاء لا يترتب في حال الخطأ كما يترتب في حال التعمد، وإن لزمه التدارك والتكفير عما وقع منه إذا كان فيه مفسدة.
وقد تضاف جهة أخرى، وهي أن من رام صلاحاً بحسن النية وأجهد نفسه في ذلك فأخطأ قد يثاب على حسن نيته فيما إذا لم تترتب مفاسد عظيمة على فعله مثل قتل النفوس وهتك الأعراض، ولكن لن تترتب في حقه بركات الإصابة والاهتداء إلى الصواب وآثارها الإيجابية في هذه الحياة ولا ما بعدها.
فليحذر الإنسان من الخطأ لا سيما في الحقائق الكبرى في الحياة فليس المخطئ لها كالمصيب ولا الجاهل كالعالم، والحقيقة هي الحقيقة لا شيء يُعوّض عنها أو يقوم مقامها، فمن حُرم منها فقد حُرم من خيرها وصلاحها، وهذه سُنّةٌ من سنن الله سبحانه في الخلق حسب ما اقتضته حكمته ولا محيص عنها.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص41.